المصدر : عرعر - عبدالعزيز سحل :
التاريخ: ٠٦:٢٢ م-٠١ مايو-٢٠٢٣       180

‏عرفتني بحآآضر وآآمر ولبيه
‏واليوم أنا بعطيك فكرة عن الـ" لاء".
‏بدأت فتاة تهامة النص بشموخ المهرة الجامحة التي حطمت القيود لتنطلق بحرية بعد أن كانت تحكمها المشاعر والأحاسيس التي لم تعد تجدي، وأيقنت أن البذل والعطاء لمن لا يستحقه جريمة، واختصرت الموضوع في كلمتين فقط وهي: استبدال النعم بـ(لاء) .. لتكون النتيجة عكسية وبدون مقدمات ولم تأتِ بالتدريج فهو عزوف نهائي ودرس قاسٍ لن ينساه.
‏ماعاد باقي للعتب والمشاريه
‏بابٍ يسولف للهبايب والأضواء
‏نعم لم يعد هناك أي مكان للعتب والمشاريه فقد أغلقت الباب وحكمت القفل، ولن تسمح بعبور الهبايب والأضواء لتستريح.
احيان اشوف الحال في غربة التيه
‏أفضل ولا بذلي على كفّ مستاء
‏نظرة ثاقبة ولكن سرعان ما تتلاشى، فقد بدأت البيت بـ(احيان اشوف) فهي في صراع داخلي سوف ينتصر حتماً، فكون الحال في غربة أفضل من بذلها وعطائها لمن يجازي المعروف بالإساءة فمثل هذا الكف لا يمكن مصافحته.
‏جرح الشعور يشيل نزفه من أيديه
‏وصمت المشاعر بوح في بخل الأغراء
‏هنا انتصار للشعور، فقد قرر أن يلملم جراحه ويضمدها ويوقف ذلك النزيف وما تقصده هنا هو نزف المشاعر وصمتها بوح في بخل الاغراء فلم يعد هناك داعٍ للبوح
‏ياآآخي حرام اللي بروحي تسويه
‏والا تبي هالروح تتقسّم أجزاء
‏هنا رجاء لكنه لم يعد رجاء محب فقد انعدم الحب، وأصبح رجاء أخوياً خالياً من المشاعر والاحاسيس، لكنه يحمل الكثير من الألم ويتضح في عجز البيت.. فلا يوجد مبرر لما يفعله سوى تقسيم الروح لأجزاء.
‏سيفك بعد طعنك طلبتك تخليه
‏ماعاد بعد السيف يا طاعني داء
‏هنا بدأت كميّة الوجع فلم يعد لها القدرة على تحمل الطعنات فقررت أن تبقى الطعنة الأخيرة في جوفها، وطلبت أن يبقى السيف في مكانه، فقد أنهكها الألم ولم يعد لها قدرة على تحمل طعنة السيف، ولم ولن تحس بألم أشد منه.
‏يعني لو الدنيا تميته وتحييه
‏ماعاد باقي حيل يستلطف أهواء
‏رغم هذا الكم الهائل من الألم وتحمل الطعنات إلا أن قلب المحب مازال تحت تأثير الحب، فقد جعلت الدنيا هي من تميت هذا الجسد وتحييه ولم تنسب العذاب له .. لكنها اعترفت أنه لم يعد بها جهد تستلطف أهواءً، واللطف في اللغة هو الرفق.. والأهواء جمع (هوى) وهو العشق، فلم يعد بالإمكان اللطف بهذا العشق الذي تراه يحتضر لكنها لا تملك الجهد لإنقاذه
‏لا يعجبك وصلٍ تشّدك حراويه
‏حتى ايش لو تنبض فتافيت الاشلاء
‏هنا تحذير وتأكيد بأن الوصل الذي يتوقعه غير موجود حتى وأن شدته الحروة وهي (التوقع) فالحروة ليست من الغيبيات لكنها ناتجة عن معرفة، وقد اثبتت صدقها عندما اعترفت ان القلب نابض لكنه عبارة عن فتافيت أشلاء لا يمكن الاتكاء عليها.
‏كنت اتفانى فيك من باب توجيه
‏وأثرك تزف الكره في وجه الأطراء
‏وتتضح الصورة أكثر هنا، فقد كشفت أن سر التفاني يكمن من خلال توجيه القلب ونزف المشاعر والأحاسيس لكن مع الأسف تقابل هذا المديح والإطراء بالكُره والجحود.
‏وكنت اتحمل شذرةٍ منك يا هيه
‏مثل الصبر فيني مثل صمت الأشياء
‏مع هذا النزف إلا أنها وصفت هذا العذاب بالذهب فرمزت للطعنة بـ(الشذرة). والشذرة قطعة من الذهب، ولم تقل شذرة السيف .. وخاطبته بـ(ياهيه) التي تحرك أسلوب المقاصد التي يريدها الشاعر لينتقل بأحاسيس العتاب والجفاء وللتجاهل، وربما تقصد بها التجاهل، فقد وضحت مثال ذلك وهو تجاهل صبرها على صمت الأشياء.
‏واذا نطق فيني من الحرص لك ليه
‏كني هدمت الطيب في عتمة أجواء
‏هنا لم تنسب فتاة تهامة النطق لها فلم تقل اذا نطقت بل قالت اذا نطق فيني من الحرص لك ليه، لانها متأكدة أنها لا تتحكم بمشاعرها تجاهه، فكأنها هدمت الطيب الذي فعلته في عتمة أجواء، فمجرد السؤال عن سبب هذا العذاب يكون انتصار له وليس بالضرورة ان يكون الجو هو الفضاء ما بين السماء والأرض فجو الأرض باطنها وتكون العتمة أشد
‏تدري متى تشعر بجرحك وتخفيه
‏انك تحب وكل ما حولك أعداء
‏وهنا مسك الختام لهذا النص الاكثر من رائع، وهو بيت القصيد، وقد اختصرت فيه شاعرتنا المبدعه الكثير، ولو لم تقل سوى هذا البيت لـ (كفاها)، ‏رغم كمية الالم والحزن.. إلا إنها استطاعت ان تسأل وتجيب في نفس الوقت وقد أجادت التصوير.
‏ شكراً فتاة تهامة على هذه المائدة الفكرية.