الشيخ الدكتور سعود ملوح العنزي إمام وخطيب مسجد الربيش في خطبة الجمعة في عرعر… بلادَنا مستهدفةٌ في شبابها مِن قِبَلِ أعداءِ عقيدَتِنا وحُسّادِ نِعمَتِنا.


المصدر : صباح اليوم - مطيران النمس
التاريخ: ٠٧:٠٠ م-٠٥ مايو-٢٠٢٣       172

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، فما أعدت الجنة إلا لأهل التقوى قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

عباد الله: إنّ اللهَ تعالى حرّم على عبادهِ تعاطي المسكراتِ والخمورِ، لما فيها من الخُبْثِ والأضرارِ والشرور، فإنّها تُفسدُ العقول، وتُهلِكُ الأبدان، وتدعو إلى الفِسقِ والعصيان، وتُوْرِثُ العداوةَ والبغضاء، وتجرُّ إلى المنكرِ والفحشاء، قال تعالى مُحرِّماً لها، منفِّراً عنها، مذكّراً عبادَهُ ببعضِ أضرارِها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾.
إنّ الخمرَ ـ يا عباد الله ـ ذنبٌ يَجرُّ إلى ذنوب، وخُبثٌ يفتحَ أبوابَ خبائث، لذلك جاء وصفُها في الأحاديث بأمِّ الخبائث، ومفتاحِ كُلِّ شر، ورأسِ كُلِّ خطيئة، فكم مِن شاربِ خمرٍ قتلَ وزنا، وبغى واعتدى، حين استحكمَ سُكرُهْ، وغاب عقْلُهْ.
أيها المؤمنون: إن شاربَ الخمرِ فاسقٌ ناقصُ الإيمانِ حتى يتوب، قال ﷺ: «وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» متفق عليه، ومَن شَرِبها لم تُقبلْ صلاتهُ أربعينَ صباحاً، وإذا مات فدخلَ النارَ، كان حقّاً على اللهِ أن يَسقِيَهُ من طِيْنةِ الخَــبَال، وهي عُصارةُ أجسادِ أهلِ النار، وَعَرقُ أبدانِهمِ كما صحّت بذلك الأحاديث عن نبينا ﷺ.
وجاءتِ السُّنّةُ أيضاً بأنَّ مُدمنَ الخمرِ إذا لقيَ اللهَ قَبْلَ التوبةِ، لم يَنظرِ اللهُ إليه، وحرّمَ عليه دخولَ الجنة، وكان كعابدِ الوثن، مع العِلم أنه تحت مشيئةِ الله إن شاءَ عذّبه وإن شاءَ غفر له.
ولما كانت الخمرُ بهذا القبحِ والخُبث، فقد لعنها اللهُ، ولعن شاربَها، ومن أعان عليها، قال ﷺ: «لُعِنَتْ الْخَمْرُ: بِعَيْنِهَا، وَعَاصِرِهَا، وَمُعْتَصِرِهَا، وَبَائِعِهَا، وَمُبْتَاعِهَا، وَحَامِلِهَا، وَالْمَحْمُولَةِ إِلَيْهِ، وَآكِلِ ثَمَنِهَا، وَشَارِبِهَا، وَسَاقِيهَا» رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
عباد الله: إذا كان ما سمعتم جاءَ في شأنِ الخمر، فما بالكم بالمخدِّرات التي هي أعظمُ ضرراً من الخمر على الدينِ والأخلاق، والعقلِ والجِسم، والفردِ والمجتمع، والأمنِ والاقتصاد، لذلك نصَّ أهلُ العلمِ، على تحريم المخدراتِ بجميعِ أنواعها، سواءً كانت نباتاً طبيعياً كالحشيش، أو كانت حُبوباً مُصنّعة، وبأيِّ طريقةٍ كان استعمالُها أَكلاً أو شُرباً أو حَقْناً أو استنشاقاً أو غيرَ ذلك.
إخوة الإيمان: إنّ خطرَ المخدرات لم يَعُدْ خافياً على أحد، فمَن يَخفى عليه اليومَ ماذا فعلتِ المخدراتُ بأهلِها، كيفَ أذهبتْ عقولَـهم؟، ودمرت أجسادَهم؟، وأفسدت أخلاقَهم؟، كيف أوقعتهم في جرائم القتل والزنا والسرقة والسطو؟، كيف قَتَلَ كثيرٌ منهم نفسَه بها، فانتهت حياته في صورةٍ قبيحةٍ وخاتمةٍ شنيعةٍ؟ نسأل الله العافية، كم جرَّدَتُهم من الغَيرة فباعوا أعراضَهم مُقابلَ الحصولِ على المخدرات؟، وكم حملتهم على قتلِ آبائِهم وأمهاتِهم وأقربِ الناس إليهم، إمّا انتقاماً منهم وإمّا بسببِ الهَلْوَسةِ التي تجعلُهم يرونَ الواقعَ على غيرِ ما هُوَ عليه.
عبادَ الله: إن جريمة نشر المخدرات في المجتمع، جريمةٌ وراءها مُهرِّبٌ ومُروِّج، منهم من يبتغي المالَ والكسْبَ، ومنهم من يريد تدميرَ المجتمعِ بتدمير أبنائه وبناته، فعليكم بمن عرفتم من المهربين والمروجين، لا تترددوا في إبلاغ الجهات المعنية عنهم، واعتبروا ذلك من صالح أعمالكم، و احتسبوه من الجهاد في سبيل الله؛ لأن في الإبلاغ عنهم محافظةً على الدينِ والعقل، والنفسِ والعِرْض، والمالِ والأمن.
لا تجاملوا مهرباً ولا مروجاً ولا بائعاً للمخدرات، لا تجاملوا في هذا الأمر أحداً لا قريباً لقرابته، ولا جاراً لجواره، ولا صديقاً لصداقته، فإنَّ التعاونَ معهم أو التسترَ عليهم مشاركةٌ لهم في إثمهم وتعاونٌ معهم على جريمتهم، والسكوتُ عنهم وتركُ الإبلاغِ عنهم، مع القدرةِ على الإبلاغِ، حرامٌ لا يجوز؛ لأنه من تركِ إنكارِ المنكرِ بغيرِ عذر. قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، وقال ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب...
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على أبنائِكم وبناتِكم من خَطرِ المخدرات، بكلِّ أنواعها ولا سيما الشَّبْوُ لأنّه أخطرُها، فإنَّ بلادَنا مستهدفةٌ في شبابها مِن قِبَلِ أعداءِ عقيدَتِنا وحُسّادِ نِعمَتِنا، تعاهدُوا أبناءَكم بالتوعيةِ بأخطارِ المخدرات، وتعرّفوا على علاماتِ المتعاطي، حتى يمكنَكُم تداركُ المشكلةِ في بدايتِها قبلَ أن تَكْبَرَ فيصعُبَ العِلاج.
تعاهدوا أبناءَكم في أصدقائهم، وتأكّدوا من سلامتهم، فإنّ أصدقاءَ السوء هم بوابةُ التعاطي والإدمانِ والترويجِ حمانا اللهُ وإياكم.
إنَّ أبناءَكم مسؤوليتُكم يا أولياءَ الأمور وأنتم مسؤولونَ عنهم يومَ القيامة.
عباد الله: إنَّ الدولةَ أيّدها اللهُ وأعزّها تقومُ بحملةٍ قويةٍ صارمةٍ ناجحةٍ ضدَّ المخدراتِ، فكونوا عَوْنَ صِدقٍ لقيادتِكم وولاةِ أمركِم، وأَسهموا في المزيدِ مِن نجاحِها بنشرِ الوعي بخطرِ المخدرات، ونُصح المتعاطين، والسعيِ في علاجِهم في مستشفيات الأمل، وبالتبليغِ عن المهربين والمروجين مهما كانت صِلتُكم بهم، عبرَ الأرقامِ التي هيأتها الدولةُ لِتَلَقِّي البلاغاتِ في سريةٍ تامّة ومحافظةٍ تامةٍ على سلامةِ المبلِّغ.
حمى اللهُ بلادَنا وشبابَنا من المخدرات وسائرَ بلادِ المسلمين.