
فوقَ رمالِ صحراءِنا الشّاسعة، وبينَ صخورِ تربتِنا الموشَّاةِ بحَصى القديمِ الغَابر، وعلى وقعِ حَوافرِ خيولِ أبطالِنا الأشاوِس القُدامى وُلِد الوطنُ الحَبيب منذُ ثلاثةِ قرون هُناك !! عندَما اختلطتْ الإرادة بالعزيمة، والإصرارُ بالبأس، والمحبّة بالأمل ، وكفاحُ الأجدادِ بهمّةِ الأحفاد شُبِكت الأكفّ ، واتّحدتِ الوجهة، وارتفعتِ الشّمسُ حاملةً اسمنا ، اسمَ الرّايةِ الخَضراء التي أتتْ رافعةَ الهامة من الدّولة السّعوديّة الأولى ، إلى المَملكةِ العربيّة السّعوديّة.
ولأنَّ الأصالةَ وُلدت فينا عريقةً أصيلة حَملنا في جيناتِنا حُبَّ الوَطن والدِّفاعِ عنه وشَهدنا بكلِّ فَخرٍ، واعتزازٍ ما قدّمهُ قادتُنا الأوائل من تضحياتٍ لا حدودَ لها، ومن بطولاتِ أئمّةٍ، وملوكٍ شهدتْها أرضُنا وعايشها تاريخُِنا المُشرّف لننعمَ ها هُنا بدولةٍ مُطمئنّةٍ باسقةٍ أمنة حُمِلَت على الأكفّ، وقدَّمها السّلفُ للخَلف لتصيرَ أمانةً في أعناقٌنا نُعلي شأنَها، ونحمي حِصنها أمامَ العقباتِ، وفي وجهِ المِحَن ..
إنّ يومَ التّأسيسِ ليومٌ عَظيم نَدينُ به جميعُنا للإمام محمّد بن سُعود رحمهُ اللّه ... كيفَ لا؟! .. وهو الذي كانَ في طليعةِ من أرسوا قواعدَ مملكتِنا الأولى، وأوّلَ من غرسَ لنا جذراً في باطنِ الأرض وها هي السّنواتُ قد مضتْ فنما الجذرُ، وأزهرَ الغصنُ، وأثمَر .
ومع صباحاتِ يومٍ من أيّامِ القرونِ الثّلاثةِ الماضية، جاءَ إعلانُ الأميرِ تركي آل سُعود عن قيامِ الدّولةِ السّعوديّةِ الثّانية مُفرِحاً للقلوب كما يعلَنُ عن ولادةِ طفلٍ مُنتَظر بعد ولادةٍ عاسرة لتكلَّلَ الأماني بالنّجاح، وليصلَ المركبُ شاطئَ الأمان على يدِّ الملكِ المُؤسّس عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سُعود الذي أسّسَ مملكتِنا العربيّة السّعوديّة، وأرسى مرساةَ فُلكِنا في ترابِ صحراءِنا القويّةِ الباسلة لتصبحَ الوحدةُ، والاستقرار أساسَ بدايتِنا وامتدادَ أمجادِنا.
هذهِ الصَّحراءُ التي حافظتْ على وجهِها الطّاهر، وأديمِها النّظيفِ العَفيف وإن كانت قد مدّت للحضارةِ الجُسور، وبَنتْ على سطحِها ناطحاتِ السُّحُب إلاّ أنّها لم تنسَ طيبَ أصلِها، وسجيّةَ تراثِها ففَتحت ذراعيها للعلمِ، والحداثةِ، واستقبلتِ الجميعَ بصدرٍ رحب، وابتسامةٍ وادعة ليكونَ يوم 22 من فبراير لكلِّ عام هو يومُ احتفالِ أبنائِها، وكلّ مَن مرَّ بها، وعايشَ احترامَ أفرادِها، وعُلوِّ أخلاقِهم فأصبحت المملكةُ جزءاً لا يتجزّأُ من كيانهِم، ومحبّةِ أفئدَتهم، وحنينِ خلاياهُم .
في هذا اليوم يملؤنا الفخرُ، ويحدونا الاعتزازُ بدولتِنا المباركة، وبالارتباطِ الأزليّ المُقدّس بينَ الأفرادِ، والقادة، وبما حققتهُ الدّولةُ السّعودية على مرِّ الأزمانِ من وحدةٍ، واستقرارٍ، وطُمانينة، وبقدرتِها على الوقوفِ بوجهِ جميعِ مَن ناوَأَهَا، وناصَبها العِداء، فخرجَت منتصرةً في معاركِها دائماً، وأبداً ، منّا جميعاً ألفُ تحيّة للدّرعيّة الخالدة ، أرضُ التّأسيسِ وأولى محطاتِ رحلةِ المَجد، والتّقدّم .
وطني أيُّها العريقُ بماضيك الضّاربُ في جذورِك يا وطنَ الصّحراءِ، والخيلِ، والإبل
يا مَن ألفتَ السَّيفَ، والرّمحَ، والقَلم ، يا منبِتَ الخُزامى، والقَيصوم، والنّخيل ، يا مَن بنيتَ حاضركَ على أساسِ صخرِ بيدِكَ المَتين ، أراكَ اليومَ تجاورُ الشّمسَ، وتسابقُ النّجومَ، والكواكب ، تتركُ بصمتكَ القويّة في كلِّ حَدبٍ، وصَوب وتكونُ لأبنائكَ دائماً المعينَ، والسّند .
ونحنُ نعاهدكَ على أن نكونَ جنودكَ المخلصينَ الأوفياء الذينَ يحرصونَ في كلِّ وقتٍ، وحين على إعلاءِ رايتكَ التي حملتْ دلالةَ القلبِ الحَاضن ، وأن نُجمعَ دائماً على برِّكَ، ومحبَّتك، وألّا نسمحَ للنّوائبِ أن تفرّقَ قلوبَنا، أو أن تعبثَ بأمنكَ، وطُهركَ تحتَ رايةُ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدِ العَزيز، و وليِّ العَهد صاحب السمو الملكي الأمير محمّد بن سلمان أطالَ اللّهُ أعمارهُم، وألبسَهُم رداءَ الصّحةِ، والعافية.
نهايةً .. لا حُبَّ كحبِّ الوَطن، ولا أثيرَ كأثيره، ولا ثرىً كَثراهُ .... نهنّئُ أنفسَنا بمرورِ ثلاثةِ قُرونٍ من التّقدّمِ، والوحدة، والحضارة.... متمنّينَ لمملكتِنا مزيداً من التّقدمِ، والرّفعة، وأن يظلَّ اسمها قابعاً فوقَ أسوارِ الشّمس ... وأن تظلَّ ذكرى التّأسيسِ المُباركة منارةً تشدُّنا نحوَ المُستقبلِ المَنشود برؤيةِ الحَداثة، ومنهجِ الفطرةِ السّليمة، وعاداتِ التُّراثِ العريق ... لنباركَ لأنفسِنا، ولقادتِنا هذا الإنجاز َ العظيم الذي بدأهُ السّابقون،وحماهُ اللّاحقون ... لتشعَّ المملكةُ العربيّةُ السّعودية حبّاً، وعطاءً، وأمناً على خريطةِ كوكبِ الأرض كما تُشعُّ واسطةُ العِقد في جيدِ الملكاتِ منذُ غابرِ العُصور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر و صحافي ومثقف سعودي
@al_sagre






