
كيف يمكن لهذا اليوم أن يمر ، دون أن أكتب فيه ، وأبكيه ..
فها أنا لحروفي أجُّر ، لأذكر صاحبه وأرثيه ...
فها أنا قد استجمعت قواي لأكتب ، بما أشعر فيه ...
وهيأت ظروفي ، وجمعت حروفي ، وحاولت أن ألبسها ثياب البهجة ، وكأنه يوم عيد كما يدّعي ، ولكنها أظهرت ثوب الحزن الذي لم تقدر أن تخفيه ...
فالحديث به عن الأم ...
وقد جاء وهي ليست فيه ...
حروفها ، نفس حروف الألم ، ونفسها حروف الأمل ، وهي معانيها بكل ما تحويه ...
الألم الذي نتجرعه بفقدها ، حتى نكاد نموت ..
والأمل الذي يملؤنا بذكرها ، فينتهي زمن السكوت ..
فهي من تعطي للحياة ألوانها ...
فإن تحدثنا عن السعادة ، كانت هي عنوانها...
وإن بحثنا عن الجمال نراها تزين أركانها ...
وإن اعترانا خوف ، كانت من المخاوف أمانها...
حب الأم من المشاعر التي أحببنا إدمانها ، وفُطِرنا على إتقانها ...
مهما أشغلتنا الحياة لا نجرؤ على نسيانها..
ومهما أبعدتنا عنها ، سنظل ملتصقين بها بروابط لا يسعنا نكرانها ...
فهي الحقيقة التي لا تحتاج إلى يوم لإعلانها..
وهي الواجب الذي نؤديه بسعادة عندما نسمع الدعوات التي تنهال على لسانها ..
فلا نقوى على هجرانها ..
ولا طاقة لنا على عصيانها ..
وجودها يعني الحياة ...
ولا يشعر بذلك إلا من احترق بنار فقدانها ..
كيف سيقوى على لهيب نيرانها ..
إن فقدت الروح إنسانها ، وفقدت روحا لا تقوى على نسيانها ...
تذكرنا به كل شمس إن أشرقت ..
وكل غيمة إن أمطرت ، وكل رحلة إن مضت ، وكل سنة إن انقضت ، والأعياد إذا أتت ..
فكيف إذا كان العيد عيدها ...
فها أنا أحفل معكم بطيفها الذي يملأ أرجائي ،
عطرها هو أكسجين هوائي ، وصوتها نبعٌ لسلسبيل مائي ، وحسُّها هو مصدر طاقتي و غذائي ، وحضنها هو أمني وأماني وسبب في بقائي ، وصدرها مصدر راحتي و موضع رجائي ، ونظراتها تجذبني من همومي محاولة إرضائي ...
وكأنها احتوتني في أرضي ، وأظلتني كسمائي ..
حنانها طبيبي من كل دائي ...
وقلبها يشعر بي قبل تذمري واشتكائي ...
وكأن نبضها سائر في دمائي ...
بعقلها تنقذني من رعونتي و غبائي ...
وبرمشها تظلني في رحلتي وجلائي ...
وبلمسة منها تجمع المتفرق من أشلائي ..
وتعيد لي ما تزعزع من كبريائي ...
وترفعني بثقة إلى العلياء ..
وتدعمني وهي ترى استيائي ...
فأضحك بعد أن أنهكني بكائي ...
هي كل ذاك وأكثر ...
فكيف على الحياة بدونها نقدر ...
وكيف نقنع القلب أن يصبر ...
وكيف نهمل كنزا في حياته ، بل وفوق قيمته على رضاه نؤجر ...
وأي أجر ...
قدمها دونها الجنان ...
ورضاها من رضى الرحمن ...
فلكل من مازال يرفل بتلك النعمة ...
اظفروا بها ، واكسبوا رضاها ، واغتنموها قبل رحيلها ، فهي محنة لن تقوى على تأوليها...
أمّا لمن فقدها ، فلن تُحرم من فيض عطاها ، إن واصلت على رضاها ، وملأت بها دعواتك كما كنت تملأ دعاها ، وصلها بوصل أهلها فذاك وصِلْها في ثراها ، واستعد ذكراها ، وحقق لها فيك مناها ..
وعش على أمل أن تلقاها ...
في جنة تعلم سبلها ولا تخفاها ...
أمي الحبية ، وفي يومك الذي لا ينقصه سواك ..
رضاك غايتي ، وأن ألقاك - لو حلما - أكبر سعادتي ، وأن تفخري بي ، وتقولي :
تلك هي ابنتي ...
فكل عام يا أمي ، وأنت دنيتي ...
وكل عام يا حبيبتي ، وأنت جنتي ...
لستِ معي ، لأقدم لك هديتي ، ولستُ معك لتمسحي لي دمعتي ، التي ابتلت بها صفحتي ، فأضاعت فكرتي ، وعدت كما بدأت غارقة في حيرتي ، وباكية من حرقتي ، وتائهة في وحدتي ، حتى نلتقي " يا جنتي " ...
@bentalnoor2005
بنت النور






