المصدر : تقرير - رشيد البرجس:
التاريخ: ٠٢:٢٠ م-١٠ مايو-٢٠٢٣       222

قبل أن نسهب في موضوع التعليم في مدينة عرعر، إليكم لمحة تعريفية وتاريخية عن مدينة عرعر في القدم، سميت مدينة عرعر نسبةً إلى الوادي الكبير التي تقع المدينة عى ضفافه في وقتنا الحاضر، ويقطعها إلى شطرين ، وهو من فحول الأودية التي تصب فيه بعض الشعبان، ويعود تسمية هذا الوادي لشجر العرعر الذي كان ينتشر على امتداد الوادي كما ورد في بعض الروايات من كبار السن،
وكان الوادي وماحوله من شعبان في القدم منطقة رعي للبادية الرحل، ووردت أشعار كثيرة بهذا الوادي لكبار شعراء العرب المشاهير قديما:‫ وقال فيها المسيب بن علس:‬
هو القيل يمشي آخذاً بطن عرعـر
بتجافه كأنـه فـى سروال

وقال أمروء القيس:
سما لك شوق بعد ما كان أقصرا
وحلت سليمى بطن قور فعرعرا

وقال مقاس بن بكر العائذي:
تمنيت بكرا بالعراق مقيمـة
وأنى لنا بكـر بأكناف عرعـر

‫وبعد قيام الدولة السعودية الثالثة وتوحيدها على يد المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه ، أخذت المدينة نصيبها من التنمية مثلها مثل باقي محافظات ومدن المملكة حتى أصبحت مدينة عصرية مكتملة الخدمات، وتتميز المدينة بطقس بارد في الشتاء وتساقط للثلوج في بعض الأعوام ما جعلها وجّهة للمهتمين وهواة الثلوج خصوصا عند تساقطه في فصل الشتاء، وفي فصل الصيف يكون الطقس حارا نسبيا نهارا ، ومعتدل في أوقات كثيرة ليلا،‬

وكانت اللبنة الأولى لإنطلاق التعليم الحكومي في عرعر عندما تم إنشاء أول مدرسة ابتدائية في عام 1372هـ ، وتعرف اليوم بمدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكانت تسمى مدرسة عرعر الأميرية ، وعرعر من أوائل مدن الشمال التي أفتتح بها مدرسة ابتدائية وكان مديرها هو محمد أحمد حسن وهو فلسطيني هرب من فلسطين إبان ثورة 1936م شأنه شأن العديد من العرب الذين لجأوا للملك عبد العزيز، رحمه الله، هرباً من المستعمر البريطاني والفرنسي. واستقر في المدينة المنورة وبعدئذ صدر أمر تعيينه مديراً لمدرسة عرعر إلى أن تقاعد ، وكان مربياً ورجلاً فاضلاً مخلصاً لرسالته لتعليم أبناء مدينة عرعر والمملكة العربية السعودية ،
ولا تزال المدرسة قائمة منذ إنشائها قبل 67 عاما محافظة على شكلها وهيئتها القديمة ، وتم تطويرها من الداخل وأدخلت فيها التقنية الحديثة حتى تواكب مثيلاتها من المدارس الحكومية ، وتعتبر من المدارس النموذجية في المنطقة، وكانت أول زيارة لوزير التعليم السابق لعرعر معالي الدكتور أحمد العيسى في هذا العام قبل الماضي 1439هـ والذي استهل زيارته لهذه المدرسة العريقة لما تحمله من معاني قيّمة للتعليم في نفوس أهالي المدينة خصوصًا من درسوا وتخرجوا منها ، وكذلك تعتبر رمز تعليمي مهم بالمنطقة لما لها السبق في تخريج العديد من أهالي عرعر والذين بعضهم تولوا مناصب قيادية ووزارية وكان الفضل لله ثم لهذه المدرسة العريقة في تعليمهم، وتعرف مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عند أهالي عرعر بالمدرسة ( الأم) كونها أول مدرسة أنشئت بالمنطقة والتي حافظت على عبق الماضي وجمال الحاضر.

وعند تولي الملك سعود، رحمه الله، الحكم قام بزيارة لعدد من مدن وقرى المملكة وكانت عرعر إحداها. فأقيم له حفل كبير إلا أنه كان بسيطاً وحميماً يعكس حال مجتمعها وإمكاناته المادية المحدودة وبناء على طلب الأهالي وافق الملك سعود فوراً على افتتاح مدرسة متوسطة وثانوية فأصبحت في مدينة عرعر أول مدرسة ثانوية في شمال المملكة. وكانت أول دفعة ثالث ثانوي توجيهي خمسة طلاب فقط. هم رفعت الشاذلي (دكتوراة في التربية) وبكر حسن (دكتوراة رياضيات) وإبراهيم الصقعبى (ماجستير هيدرولوجيا) ومحمد الصقعبى (بكالوريوس فنون) وعلى الرميح، رحمه الله. وأكمل العديد ممن تخرجوا منها تعليمهم الجامعى وأبتعثوا لأمريكا وأوروبا لتميزهم وأصبحوا أطباء وإداريين ومهندسين وجيولوجيين وأساتذة جامعات وعسكريين وبرعوا في تخصصاتهم وأصبحوا قياديين ووصلوا إلى أعلى المراتب المدنية والعسكرية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور محمد المجلاد والدكتور إبراهيم الملحم الأساتذة في جامعة الملك سعود وعبدالله الرشيد مستشار سمو وزير الدفاع السابق ، وعلى الصقير وكيل وزارة المالية المساعد ورئيس بنك التسليف واللواء أحمد الربيعان الناطق باسم وزارة الدفاع أثناء حرب تحرير الكويت وحالياً الملحق العسكرى بأمريكا والفريق عبدالرحمن الربيعان مستشار سمو وزير الداخلية السابق ، وحسن عبدالله السبعانى أخصائى تخدير وأحد أعضاء الفريق الطبى الذي قام باجراء العملية الناجحة لفصل التوأمتين السياميتين البولنديتين (أولغا وداريا) في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني وغيرهم.
وعند افتتاح المدرسة المتوسطة بدأ النشاط المسرحي المدرسي وكان الفنان المعروف محمد الطويان رائد الدراما والكوميديا وكانت له شعبية كبيرة في المدرسة وفي مدينة عرعر وبعد ذلك في المملكة والخليج.
عرعر لم تكن سباقة في تعليم الذكور فقط، بل إن سيدة فاضلة اسمها هناء المغربي قامت في عام 1957م بإنشاء مدرسة خاصة للبنات في بيت من الطين وجعلت فصلاً في كل غرفة وبعد طلب من أهالي المدينة تم افتتاح مدرسة عرعر للبنات الرسمية في عام 1381/1380هـ (1960م). وتم نقل جميع طالبات مدرسة السيدة هناء المغربي لتصبح أول مدرسة للبنات في عرعر وأصبحت هي أول مديرة مدرسة بنات رسمية. بينما كانت مدن أخرى بالمملكة ترسل وفوداً للرياض تطلب عدم فتح مدارس للبنات ولعدم فتح المجال لتعليم البنات. ومما لاشك فيه أن هناك طالبات تخرجن من مدرسة عرعر وحصلن على التعليم الجامعي، وبرعن في مجالاتهن وحظيت المرأة باهتمام تعليمي كما حظي به الذكور،
وتطور التعليم في مدينة عرعر شأنه شأن القطاعات الأخرى التي حظيت باهتمام الدولة، وعند توسع المدينة عمارانيا وسكانيا، أصبح كل حي في عرعر يحوي على جميع المدارس بجميع المستويات للذكور والإناث،
وشهدت المدينة في 2007 نقلة نوعية كبيرة في في المجال التعليمي،  عندما إنشئت أول جامعة للحدود الشمالية في مدينة عرعر، وأنهت هذه الجامعة الجديدة معاناة الأهالي الذين كانوا يدرّسون أبنائهم وبناتهم في جامعات المملكة في المدن الكبيرة التي تبعد كثيرا عن المنطقة، وتكلفهم مصاريف كبيرة وعناء سفر،
وتخرج من جامعة الشمالية الآف الطلاب من الجنسين في مختلف التخصصات ليشاركوا زملاءهم ومن سبقوهم في بناء الوطن ويكملوا المسيرة،
كما شهدت عرعر حراكا ثقافيا بعد قيام الجامعة، وأصبح النشاط الطلابي الثقافي بارزًا في المنطقة بشكل لافت، وكذلك المشاركة المجتمعية والتطوعية سائدة بين الأوساط الاجتماعية ، والتي أصبحت ثقافة جديدة ترسخت في ظل تطور التعليم وزيادة الوعي لدى قطاعات كبيرة من الشباب والشابات.