المصدر : عرعر - مطيران النمس 
التاريخ: ١٠:١٤ م-١٣ مايو-٢٠٢٣       154

الحث على الصدقات
 أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، وبادروا إلى بذل الصدقات ﴿من قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
عباد الله: إن في الصدقة وإن كانت قليلةً خيراتٍ عظيمةً، وفوائدَ جليلة، منها:
كثرة حسناتها، ومضاعفة ثوابها، قال تعالى:﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وقال ﷺ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ» متفق عليه. والفَلُوُّ صغيرُ الخيل.
ومن فوائد الصدقة: أنها تقي صاحبها عذابَ النار يومَ القيامة قال ﷺ: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» متفق عليه.
ومن فوائدها: أنها تطفئ نيران الخطايا كما تطفئ الماءُ النارَ، قال ﷺ: «الصدقةُ تُطفئُ الخطيئة كما يُطفئُ الماءُ النارَ» رواه أبو يعلى وصححه المنذري.
ومن فوائد الصدقة: أنها سببٌ في صَبِّ اللهِ الخيرَ على عبدِه، وإحلالِ البركةِ في ماله، قال ﷺ: « قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» رواه مسلم، فهذا وعدٌ من الله؛ أنّك إذا أنفقت لوجههِ الكريمِ، أنفقَ عليك، واللهُ لا يخلفُ الميعاد.
 ويؤكدُ هذا المعنى قولُهُ ﷺ أيضاً: «ما نقصتْ صدقةٌ من مال» أي أنَّ اللهَ يباركُ لعبدهِ في ماله بسببِ الصدقة، فيضاعفَهُ له وينميه حتى يعودَ كما كان أو أكثر، وقيل معناه: إنّ المالَ وإن نقصَ بالصدقة، إلا أن الثوابَ العظيمَ والأجرَ الجزيلَ، يجبرُ ذلك النقص.
ومن فوائد الصدقة: أنها مالُكَ الحقيقيُّ الذي يبقى ولا يفنى، فإنَّ المالَ إنما يرادُ للانتفاع به، فإذا أنفقتَهُ في دنياكَ فنيَ وزال عنك، وإن قدَّمتهُ لآخرتِك دامَ وبقيَ لك، ووجدتَهُ أحوجَ ما تكونُ إليه، فعن عائشة رضي الله عنها: أنَّهم ذبحوا شاة، فقال النبي ﷺ: «ما بقي منها؟»، قالت: ما بقي منها إلا كتِفُها ــ أي تصدقنا بها كلَّها وما أبقينا الا الكتِف ــ فقال ﷺ: «بقيَ كلُّها غيرُ كتِفِها» رواه الترمذي وصححه.
ومن فوائد الصدقة: أنها تُظِلُّ صاحبَها يومَ القيامة قال ﷺ: «كل امرئٍ في ظلٍّ صدقتِه حتى يُقضى بين الناس».
جعلني الله وإياكم من المتصدقين من الكسب الطيب ابتغاء وجهه إنه سميع الدعاء، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ من مكارم الأخلاقِ ومحاسنِها، إغاثةَ الملهوف، وإِكسابَ المعدوم، والعَونَ على النوائب، والوقوفَ مع الإخوةِ عندَ الشدائد، وهذه كانت أخلاقُ نبيِّنا ﷺ، وعلى هذا ربّى أصحابَه، وإلى ذلك دعا أُمَّتَه، ونحمدُ اللهَ تعالى أن وفّقَ هذا البلدَ الكريمَ قيادةً وشعباً للتخلقِ بهذا الخلقِ النبيل، فساروا عليهِ جيلاً بعد جيل، يَشِبُّ عليهِ الصغير، ويَهرَمُ عليهِ الكبير، وللهِ الحمدُ والمنّةُ والفضل.
واستمراراً لهذا المنهجِ القويم فقد وجّهَ خادم ُالحرمينِ الشريفين، ووليُّ عهدهِ الأمين، حفظهما اللهُ ورعاهما إلى التخفيفِ عن الشعب السوداني الشقيق، جَرّاءَ الظروفِ التي يمرون بها، بالتبرع لهم عبرَ مَنَصّةِ (ساهم) فبادروا للاستجابة، مستحضرينَ ما وعدَ اللهُ به المتصدقينَ مِن خيرِ الدنيا والآخرة: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
تقبل اللهُ منّا ومنكم، وصرف بها السوءَ عنّا وعنكم، وكشفَ اللهُ الكُربةَ عن أشقائنا في السودان، وجمعَ شملَهم على الخير.. اللهم احقنْ دماءَهم، واجمعْ على الحقِّ كلِمتَهم، وآمِنْ روعاتِهم، واسترْ عوراتِهم، وأَعذِهم من شرِّ الأشرارِ وكيدِ الفجار، برحمتكَ يا أرحم الراحمين.