البرتقال من الفواكه المفيدة للصحة، فهو يمد الجسم بفيتامين «سي» ويحتوي على كثير من الألياف التي تحسن الهضم، وأنا أحب أن أضيفه لسلطة الفاكهة التي أعدها في الصباح، ودائما أقطّع جميع الفواكه وأترك البرتقال لآخر القائمة، لأني أحب رائحته المميزة التي تنتشر في حيزها عند تقشيرها، تخيرت برتقالتين، قشرت الأولى وكانت سهلة التقشير، فبثلاث خطوات تقشرت وظهر لبها، أما الثانية فكان الوصول للبها أمرا مجهدا فقد التصقت القشرة باللب فصعب فصلهما، قارنت بين عدد قشور الأولى والثانية فكان ثلال كبيرة للأولى مقابل قطع صغيرة تجاوزت أربع عشرة للثانية، انتهيت من إعداد سلطة الفاكهة، وراق لي شكل تلك القشور وأخذتني إلى مرحلة من مراحل عمري أسميتها مرحلة التواضع، وهي مرحلة كُنت قبلها كتلك البرتقالة صاحبة اللب الملتصق بقشرته وبعدها كنت كتلك البرتقالة التي تنازلت عن قشرتها بكل سهولة، فتبسمت، مرحلة التواضع تلك التي ستتذكرها كلما لمحت لونا برتقاليا هي مرحلة يلازمك فيها الاسترخاء الكلي مرحلة تمر في حياتك لا تأبه بشيء مبتسما خاليا اللهم لا يقلقك شيء لا تتوقع من أي مخلوق شيئا، كأنك قطعة خشب رقيقة صُنع منها أنفس أنواع العود، غرقت سفينتها وبقيت تعوم على سطح البحر، ورغم الأمواج المتلاطمة حينا وعصف أجواء السماء حينا بقيت طافية فإن غشاها موج يغشاها للحظة، ثم تعود للسطح أشد لمعة، هي مرحلة ترى فيها كل منغص مجرد عامل يجعلك تنظر بتقدير لكل من لا يكون طرفا فيه، هي مرحلة يجتاحك شعور الاكتفاء بنفسك أولا لتجعلك تكتب معادلة مفادها «أنا مجموعة أفكار ومشاعر أستطيع تلوينها باللون الذي أريد وأنا أريدها شفافة لا ترتدي لونا سوى لوني ولا فكرا سوى فكري ولا قناعة إلا قناعاتي أرضى بنفسي على أي حال متصالحة معها راضية بأحوالها وتقلبات مزاجها أو ثباته».
هي مرحلة فيها تفهم مضامين الأشياء، وتعرف أن الأشياء لا تكون دائما كما تتوقع، ستتواضع في تقدير مآل كل الأمور دون استثناء سيكون تواضعك مبنيا على قناعات أكسبتك إياها الأيام، ستتعلم أن تتخلى بعد أن تبذل كل الأسباب، لن تجبر شيئا على الحدوث برغم قناعتك بأفضلية الأمور، ستتنازل عن كل صراع من أجل هدف تراه وصاحبه لا يراه، ستتعلم في مرحلة التواضع أن تقول عبارات كثيرة لم تكن تنطقها قبل تلك المرحلة مثل «اللي يريحك سوه» «شوف ايش تبي وأنا حاضر» «خذ قرارك بأريحيه وثق بأني سأسايرك به وأساندك إن لزم الأمر» «الأمر يخصك وأنت أبخص» مرحلة التواضع التي أتحدث عنها هي مرحلة نضوج وصلت لها بعد عناء.
*مراحل: للروح مراحل وعي، أجملها مرحلة السلام، وفيها تدرك قيمة التخلي عن الأشياء.
