المصدر : صحيفة الاقتصادية ـ السعودية
التاريخ: ١٠:١٩ ص-١٨ يونيو-٢٠٢٣       130

يواجه قطاع العقارات في أجزاء مختلفة من العالم تحديات يمكن أن تؤثر بشكل حاسم في النمو الاقتصادي العالمي، فقد ينخفض -في أسوأ السيناريوهات- بنسبة 0.3 في المائة في 2023، متأثرا بتراجع سوق العقارات وانخفاض الاستثمارات في القطاع وتشديد شروط الائتمان. وتسير سوق العقارات حول العالم، بثبات نحو أزمة عالمية قد تدفع أسعار الإسكان للانهيار مرة واحدة، بسبب سياسات تتبعها البنوك المركزية. بدأت بوادر الأزمة تظهر في العواصم الرئيسة لسوق العقارات حول العالم، التي تعد ضمن الأكثر طلبا من جانب المشترين، مثل سيدني ولندن وستوكهولم ونيويورك وغيرها من المدن ذات الكثافة السكانية العالية.

ووفقا لتقارير عالمية متخصصة فإن هذه المرحلة تشهد تراجعات حادة تعيشها عواصم العقارات عالميا منذ بداية الربع الثاني من العام الجاري، وما زالت الأسعار تسجل تراجعات حادة، فمن سيدني إلى ستوكهولم إلى سياتل، يتراجع المشترون عن الإقبال على شراء العقارات وتتفاقم الفجوة بين العرض والطلب لمصلحة الأول، مع قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ عقود، ما أدى إلى انخفاض أسعار المنازل.

وفي هذا الاتجاه والمشهد المتطور فإن التحذيرات من هبوط أسعار العقارات حول العالم لم تتوقف. فالضغوط على الأسواق العقارية ولا سيما في البلدان التي تعتمد على الفوائد المتغيرة للقروض، تتواصل دون أي مؤشرات على تراجعها في المديين القصير والمتوسط. وبالطبع يعود السبب الرئيس لهذه التراجعات إلى سياسة التشديد النقدي التي تتبعها (حتى اليوم) البنوك المركزية، في سياق مواجهتها لوصول التضخم إلى مستويات تاريخية طوال الأشهر الماضية. وهذا التشديد الذي يظهر على شكل زيادات متتالية للفائدة، أتى في الواقع بعد فترة طويلة من التيسير النقدي، سادت الساحات الاقتصادية هنا وهناك، بحيث اقتربت (على سبيل المثال) في منطقة اليورو إلى نطاق الصفر، وبلغت أدنى مستوياتها على الساحات الأمريكية والبريطانية واليابانية وغيرها من الاقتصادات المتقدمة.

التحول نحو رفع الفائدة الذي من المتوقع أن يستمر حتى نهاية العام الحالي على الأقل، أثر مباشرة في أسعار العقارات بكل أنواعها السكنية والتجارية. ففي العام الماضي هبطت العقارات التجارية في الولايات المتحدة 13 في المائة. أي أن الأزمة لا تختص بالعقارات السكنية فقط. فمع الضغوط المعيشية على الأفراد، تراجع الطلب على العقارات. فلم تعد الأسرة العادية قادرة على تحمل قروض عقارية مضاعفة، خصوصا تلك التي تخضع للمراجعة الشهرية كما هو الحال في بريطانيا. فهذا البلد يواجه ويشهد أزمة عقارية واسعة النطاق، ليس فقط بوصول الفائدة إلى 5 في المائة، بل لتراجع قيمة الجنيه الاسترليني الصيف الماضي فقد أعلنت حكومة ليز تراس السابقة ميزانية هزت الاقتصاد الوطني، ودفعت تراس إلى الخروج من السلطة بأسرع وقت بتقديم استقالتها لعدم قدرتها على التعامل مع هذا الموقف ومعالجته إيجابيا.

التراجعات على مستوى عمليات الإفراغ العقاري تفاوتت بين بلد وآخر، ولكن في النهاية كلها خاضعة لمعايير الوضع الاقتصادي العالمي. وفي السعودية سجلت حصيلة عمليات الإفراغ العقاري خلال خمسة أشهر من العام الجاري، تراجعا 18.6 في المائة، لتبلغ نحو 164.5 مليار ريال، مقارنة بنحو 202.3 مليار ريال للفترة المماثلة من العام الماضي. وبحسب تقرير نشرته "الاقتصادية"، فإن هذه النسبة تتزامن مع تراجع عدد عمليات الإفراغ خلال الفترة نفسها بنسبة 21.6 في المائة، لتبلغ 151.7 ألف عملية مقابل 193.7 ألف عملية.

لكن الأهم من هذا كله أن السوق العقارية محليا متماسكة تماما، ودخلت بهذه الدورة الطبيعية، على عكس بعض البلدان التي تواجه مخاطر انهيار السوق العقارية في الأشهر المتبقية من العام الحالي. ففي منطقة اليورو بلغت معدلات الفائدة الأساسية أكثر من 3.5 في المائة، وهذا يعني أن الاقتراض العقاري يزيد عن المستوى الأساس بنقطتين وما فوق بحسب العروض التي تقدمها البنوك المختلفة. الذي حدث أن الإقبال على العقارات تراجع بقوة في الفترة الماضية، وسيواصل التراجع حتى تستقر أسعار الفائدة عند حدود مقبولة لعودة أنشطة القطاع العقاري عموما إلى ما كانت عليه في السابق.

وهناك نقطة مهمة تبرز في هذه الأجواء السلبية التي تطغى على السوق العقارية عالميا، وهي أن أسعار نسبة كبيرة من هذه العقارات مبالغ فيها، ما يجعل الأزمة الراهنة مناسبة لتصحيح هذه الأسعار في المرحلة المقبلة. لكن في كل الأحوال، ستكون هنا مشكلات اجتماعية كبيرة من هذا الجانب المهم، وذلك مع ارتفاع عدد أصحاب القروض السكنية الذين يعجزون عن السداد. ماذا يحدث عادة؟ تستولي البنوك والمؤسسات الدائنة على العقارات ويتم بيعها بالمزادات العلنية، بينما تتسع المشكلة أمام السلطات المختصة في تأمين المساكن اللازمة لأولئك الذين يفقدون منازلهم. إنها أزمة حدثت في الماضي على مستوى كثير من البلدان الغربية، بحيث بات المقترضون يسلمون مفاتيح منازلهم طواعية للجهات الدائنة.

وفي كل الأحوال ستبقى أزمة الأسواق العقارية عموما سائدة على الساحة لفترة لن تكون قصيرة، وكل شيء بات مرتبطا بالمدى الذي ستصل إليه معدلات الفائدة. فالدورة العقارية الحالية المضطربة، تماثل الدورة المضطربة الراهنة للنمو، الذي صار رهينة الفائدة المرتفعة منذ أكثر من عامين، ولا سيما أن معظم دول العالم تعاني ركودا عقاريا واضحا في الوقت الحالي، فيما يتراكم العرض أكثر من الطلب يوما بعد آخر مع تراجع مستمر في المبيعات العقارية.

١١:٥٧ ص-١٣ اكتوبر-٢٠٢٤
١٢:٥٣ م-٠٩ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:١٣ ص-٠٦ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٠٤ ص-٠٣ اكتوبر-٢٠٢٤
٠١:٣٢ م-٢٩ سبتمبر-٢٠٢٤
١٠:٥٩ ص-٢٨ سبتمبر-٢٠٢٤