في عام 1985 أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حين كان أميرا لمنطقة الرياض، إطلاق معرض الرياض بين الأمس واليوم في ألمانيا، الذي أصبح فيما بعد معرض المملكة بين الأمس واليوم، ليطوف بعد ذلك أبرز العواصم الأوروبية والعربية والمدن الأمريكية. وفي 2023 حمل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء إلى باريس، ملف ترشح السعودية لمعرض إكسبو 2030 وهو المعرض الذي سيكون مختلفا عن معارض إكسبو السابقة في شموليته وديمومته وما يحتويه من ابتكار وتركيز على البيئة والمجتمع والدول النامية.

معارض المملكة بين الأمس واليوم، التي استمرت على مدى سبعة أعوام كان لها أبلغ الأثر في التعريف بما حققته المملكة من إنجازات وتطورات تنموية على عدة أصعدة، وكانت بمنزلة إعلان متنقل لاستعراض قدرات المملكة وإمكاناتها ونشر ثقافتها والتعريف بشعبها وهويته العربية الإسلامية.

من المعروف أن المكتسبات الاقتصادية الكبرى والتجارية على وجه الخصوص تتحقق من خلال بذل الجهود اللازمة للتعريف والتوعية وضخ الاستثمارات التي تسهم في تحقيق ذلك، فالمملكة من خلال ملف إكسبو 2030 ستقوم باستضافة دول العالم في مدينة الرياض، حيث من المتوقع وصول 40 مليون زائر إلى أرض المملكة بهدف الاطلاع على مكونات المعرض وأجنحة الدول المشاركة. تجربة دبي في استضافة إكسبو 2020، حيث تمكنت من استقطاب 24 مليون زائر ومشاركة 192 دولة وتم إرساء عقود للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بمقدار سبعة مليارات درهم من إجمالي عقود بلغت نحو 27 مليار درهم، إلى جانب تحقيق فنادق دبي لأعلى نسبة إشغال بلغت 96 في المائة، وهي أعلى نسبة تحققها فنادق دبي منذ 2007، علما بأن الدراسة التي قدمها استشاري المعرض تشير إلى تحقيق نحو 155 مليار درهم إيرادات إضافية للاقتصاد الإماراتي على مدى 30 عاما من 2013 إلى 2042.

منذ القدم ظهرت فكرة المعارض الدولية لاستعراض تطور الدول والتعريف بما وصلت إليه من تنمية وتقدم، والآثار الاقتصادية الناتجة عن عقد معارض إكسبو نجدها في المدن المستضيفة، حيث حققت ميلانو في 2015 آثارا اقتصادية متنوعة بلغت عشرة مليارات يورو، نصفها أتى عن طريق السياحة، حيث وصل عدد الزوار إلى نحو 21 مليون زائر. وفي الصين عام 2010 بلغ عدد الزوار 73 مليون زائر، نسبة كبيرة منهم من داخل الصين، وعلى الرغم من ذلك تم تحقيق فوائد لاحقة للناتج المحلي الإجمالي تقدر بتريليون دولار، علما بأن حكومة الصين استثمرت 48 مليار دولار لتجهيز المعرض ومتطلباته من بنى تحتية لازمة، ولا يزال حتى اليوم يستفاد من هذه الاستثمارات بعد أن تم تحويلها إلى مقرات حكومية وحديقة معارض كبيرة ومتحف خاص بمسمى إكسبو.

على الرغم من كون المكتسبات الاقتصادية المباشرة لمعارض إكسبو عديدة وبأرقام كبيرة، إلا أن المكتسبات غير المباشرة والفوائد غير الفورية هي الأكثر أهمية وفي الوقت نفسه هي الأصعب في القياس. من يستطيع تقدير حجم المكتسبات التي حققتها معارض المملكة بين الأمس واليوم على مدى سبعة أعوام، على الرغم من محدودية نطاق تلك المعارض واختلاف أهدافها؟ في مفاهيم التسويق والعلامات التجارية هناك المكتسبات التراكمية التي تتضخم وتتعالى في تأثيراتها مع مرور الزمن إلى أن يكون لها ذات التأثير الذي تحظى به العلامات التجارية الكبرى في كسب ثقة العملاء واستمرارية التعامل معهم.

ولم تكن المكاسب الاقتصادية المباشرة المحرك الرئيس في أي من هذه المعارض الدولية، على الرغم من تحقق ذلك في كثير منها، بل إن المكتسبات المعتبرة تتحقق على المدى الطويل وتأتي في أوجه اقتصادية وسياسية وثقافية وإنسانية.

فرصة فوز المملكة العربية السعودية باستضافة هذه التظاهرة العالمية التي تقام كل خمسة أعوام كبيرة جدا، ولا سيما أن هناك دعما قويا واهتماما كبيرا ومباشرا من ولي العهد، ومن المأمول والمنتظر أن تلقى جهود تنظيم المعرض كامل الدعم والتحفيز من مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء.