المصدر : عبدالله بن محمد الوابلي - مجلة اليمامة
التاريخ: ٠٢:٠٠ م-٢٩ يوليو-٢٠٢٣       143

“منطقة الجوف” الواقعة في شمالي “المملكة العربية السعودية” تُعَدُ واحدة من أهم المراكز الرئيسة للزراعة في “المملكة” وهي “المنطقة” الغنية بالموارد الطبيعية والبيئية الغامرة. تتربع “منطقة الجوف” على أريكة واسعة من “السهول الفيضية” الخصبة والمنبسطة، التي ترسبت على ضفاف الشعاب، ومجار الأودية عبر آلاف السنين، وقامت عليها مشروعات زراعية عملاقة، تجود بأينع المحاصيل الزراعية الاقتصادية الهامة. حيث تحتضن أكثر من (6000) مزرعة للزيتون، مغروس فيها أكثر من (17) مليون شجرة، من بينها أكبر مزرعة زيتون في العالم مسجلة في “معجم غينيس” كما تشتهر “المنطقة” بإنتاج مختلف المحاصيل، من أهمها التمور، والخضروات والفواكه والقمح والأعلاف، والحبوب، والزيتون، والعسل. وقد أسهمت “الجوف” بإنتاج ما نسبته (15%) من الناتج الزراعي المحلي. كما تنتج حوالي (28%) من حاجة “المملكة” من القمح.
“منطقة الجوف” هي البوابة الشمالية لـ “ المملكة العربية السعودية “ من حيث اتصالها بالأردن - مما يسهل مرور التجارة والخدمات اللوجستية المختلفة، كما أن مجاورة “منطقة الجوف” لـ “منطقة تبوك” توفر فرصًا واعدة ومتزايدة من خلال “مشروع نيوم” العملاق، الذي سيخلق فرص عملٍ كبيرة في قطاعات الزراعة والخدمات اللوجستية والصناعة والقطاعات الأخرى..
تحتضن “منطقة الجوف” العديد من المواقع الأثرية والثقافية الجاذبة. من أكثرها رمزية تاريخية “مسجد عمر بن الخطاب” و”قلعة مارد” الواقعة في “دومة الجندل” وكذلك “أعمدة الرجاجيل” الشهيرة التي يشبهها البعض بـ “ستونهنج” البريطانية، حيث تعتبر موقعًا أثريًا بارزًا ذو قيمة تاريخية هامة، يقع هذا المعلم التاريخي بالقرب من “مدينة سكاكا” كما يكتنز المقطع “السعودي” من “وادي السرحان” عددًا كبيٍرًا من المواقع الأثرية، التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري النحاسي. وقد يكون بعضها لا يزال مطمورًا تحت رمال “الوادي” وتحتاج هذه الكنوز لجهود بحثية مكثفة للتنقيب عنها، وذلك باستخدام بعض الوسائل المعروفة في مجال التنقيب عن الآثار المدفونة تحت سطح الأرض، مثل تقنية الاستشعار عن بُعد، وتقنية التصوير الجوي التي تتيح رسم خرائط للمعالم أو القطع الأثرية المدفونة بعمق يصل إلى (30) متر.‏ وكذلك التقنيات الرادارية التي تحدد الجيوب الهوائية تحت سطح الأرض، والفراغات المحفورة والمملوءة بتربة جديدة. وجميع هذه المواقع الأثرية المستكشفة، وتلك التي ستكتشف فيما بعد، إلى جانب المواقع الزراعية، والمراعي الطبيعية، والمحميات البيئية، تجعل من “الجوف” منطقة جذب سياحي واعدة.
الطقس في “منطقة الجوف” مشمس أغلب شهور العام. أما درجات الحرارة فهي منخفضة في الشتاء، ومعتدلة بقية العام. تتعرض “المنطقة” لمستويات عالية من أشعة الشمس على مدار السنة، وتستقبل رياح يبلغ متوسط سرعتها السنوي (8) كيلومترات في الساعة، وهي ثاني أعلى نسبة إسقاط شمسي في المملكة بأكملها. وتمتلك “المنطقة” مساحة كبيرة من الأراضي المتاحة مما يوفر فرصًا كبيرة لبناء محطات واسعة لحصاد طاقة الرياح وتوليد الطاقة الشمسية. وبناءً على كل هذه المعطيات فإن “منطقة الجوف” ستكون مرشحة - بعون الله تعالى - للإسهام في تحقيق جهود “المملكة” للوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2060 م.. وقد أطلق “البرنامج الوطني للطاقة المتجددة” في عام 2018 م، مشروعين في “منطقة الجوف” الأول هو “مشروع سكاكا للطاقة الشمسية الكهروضوئية” باستثمارات تزيد عن (1) مليار ريال. والثاني “مشروع محطة دومة الجندل للرياح” بتكلفة تزيد عن (1.8) مليار ريال.
إدراكًا لضخامة القطاع الزراعي في “منطقة الجوف” وأهميته الاقتصادية، والتنموية، والاجتماعية، وهو “القطاع” الذي توسع خلال العقود الثلاثة الماضية، بشكل أفقي فاق كل التوقعات،
وذلك بفضل الله تعالى، ثم بفضل الدعم السخي الذي قدمته، ولا تزال تقدمه حكومتنا الرشيدة – أيدها الله - على نحوٍ منقطع النظير، من خلال قروض كبيرة، وإعانات جزلة، وتسهيلات واسعة، فقد استشعرت “إمارة منطقة الجوف” بقيادة “صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز” أمير “المنطقة” وبوعي تخطيطي عالِ، وبحس تنموي عميق، أهمية تطوير هذا القطاع على نحو رأسي، لكي يواكب مستهدفات “رؤية المملكة 2030” المباركة، مستفيدة من التجارب العالمية الناجحة، في مجال تعظيم مخرجات الإنتاج النباتي، والحيواني على حد سواء، فسعت إلى تفعيل الدور التعاوني بين المزارعين الأفراد، والمشاريع الزراعية الكبرى.، وذلك بالسعي الحثيث لتطوير جمعية تعاونية زراعية، تأخذ بأحدث التجارب الدولية في مجال الاقتصاد التعاوني، ولتكون إضافة حديثة للقطاع التعاوني في “منطقة الجوف” الذي كانت جمعياته من أوائل الجمعيات التعاونية في المملكة. ولتصبح قاطرة قوية تشق الطريق واسعًا أمام منتجات “المنطقة” النباتية، والحيوانية، وصولًا للأسواق المحلية والخارجية. وقد نظمت “الإمارة” لهذا المشروع الهام الذي أعتبره نقلة تاريخية للقطاع الزراعي في “منطقة الجوف” وعلامة فارقة في وجه القطاع التعاوني في “المملكة” لقاءً علميًا بمهنية عالية، وبضيافة كريمة من “شركة الوطنية الزراعية” في “مزارعهم في “بسيطا” بـ “الجوف” يوم الثلاثاء الماضي، وبمشاركة “شركة نادك” وذلك للتبشير بولادة “جمعية جود التعاونية الزراعية” في “منطقة الجوف” والتعريف بحجم أهدافها السامية، وبحدود أغراضها الواسعة، وآفاق تطلعاتها العريضة. وقد كان لي شرف حضور هذه الفعالية التعاونية الاستثنائية، التي قدم فيها نخبة من المسؤولين والمتخصصين في القطاعات الرئيسة – الحكومي، والتعاوني، والخاص - عددًا من أوراق العمل المتميزة. خَرَجْتُ من هذا “اللقاء” وكلي تفاؤل عميق، وأمل كبير بنجاح الجمعية الوليدة، لعدة مبررات، أولها الرغبة الصادقة من لدن “إمارة منطقة الجوف” مدعومة بالإرادة القوية والرؤية الواضحة من لدن “مجلس إدارة الجمعية” لإنجاح “الجمعية” وتحقيقها لتطلعات أعضائها والمستفيدين من خدماتها، إضافة إلى التسهيلات الواسعة التي ستقدمها جهات الإشراف الإداري والفني على الجمعيات التعاونية، والدعم الكبير الذي ستجده “الجمعية” من صناديق التمويل الحكومية. ومن هناك حَلَّقَ بي الخيال عاليًا، فرأيت “منطقة الجوف” وكأنها هولندًا في “الجزيرة العربية”.

١١:٤١ م-١٣ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٥٨ ص-٠٧ اكتوبر-٢٠٢٤
٠٤:٥٤ م-٠٥ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٤٠ ص-٣٠ سبتمبر-٢٠٢٤
٠٩:٤٩ م-١٥ سبتمبر-٢٠٢٤