د. فهد إبراهيم البكر

٠٤:٠٢ م-٠٢ سبتمبر-٢٠٢٣

المصدر : الرياض - د. فهد إبراهيم البكر :
التاريخ: ٠٤:٠٢ م-٠٢ سبتمبر-٢٠٢٣       140

يمكن أن نتلمّس الطبيعة الفيزيائية داخل الشعر العربي القديم، وذلك من خلال نماذج كثيرة، منها نموذج المعلقات؛ بوصفها إرثاً شعرياً عظيماً، يعجّ بالكثير من الظواهر الفيزيائية، ولعل من ذلك وجود إشارات شعرية إلى الليل، والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم، والمجرات، والغيوم، والسحاب، والأمطار، والصحاري، والقفار، والجبال، والرمال، وما يتعلق بذلك؛ ولهذا تكشف مثل هذه الإشارات عن بينيةٍ مهمة في التفاعل بين الشعر والفيزياء، وبخاصة في عصرٍ لم تكن فيه العلوم والمعارف تتداخل فيما بينها وربما لم تكن لتتفاعل وتتكامل، فكيف هو الأمر فيما بين الشعر الذي هو إبداع، والفيزياء التي هي علم طبيعي؟

إن هذا الأثر البيني الذي نحاول تلمّس بعض خيوطه في شعر المعلقات تحديداً، إنما يكشف عما يحظى به كل من الشعر والفيزياء من علاقة وطيدة، تبيّن ما كانت تقوم عليه مخيلة الشاعر العربي القديم من أبعاد فلسفية عميقة في التعرف على مفهوم الفضاء والفلك، وطبيعة الأرض، وتركيبتها الجيولوجية، خاصة في الحديث عن كل ما يتعلق بالأرض، ومن هنا تنبئ تلك العلاقة عن بعض الملامح الفيزيائية التي كان للشعر العربي القديم أثره في إيجادها، أو التنبيه عليها، أو الإشارة إليها.

إن استظهار بعض العلاقات البينية (الشعرية الفيزيائية) التي كشف عنها التفاعل بين الأدب والفضاء، والشعر والفلك، سيؤدي إلى الخروج بدراسات جديدة –لو فُعّلت- تعيد للشعر العربي القديم قيمته، وتبعث في الفيزياء إنسانيته، عندما تنقله من التحليل في المعامل إلى التحليل في المعالم، ومن دراسة تأثير العواصف إلى دراسة تأثير العواطف، ومن التركيز على الجمود إلى التركيز على الحيوية، والحق أننا -على المستوى البحثي والنقدي- لم نستطع الوقوف على دراسات تقترب من هذا الموضوع تحديداً، أو تحاول تلمسه وإن على نحو ضئيل، ولعل في هذا المقال ما يحث على ذلك الاهتمام، ففي تلك العلاقة الثنائية بين الشعر العربي القديم والفيزياء جماليات عديدة، وغايات علمية جديدة.

ولكي لا ننظّر كثيراً يمكننا الإحالة هنا على بعض النماذج الشعرية التي تنبض بالفيزياء، فمن ذلك حضور صورة الليل، وربطه بالكواكب، والأقمار، والمجرات، كما في معلقة امرئ القيس مثلاً، حيث يقول: (وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ / عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي = فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ / وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ بِكَلكَلِ = ألا أيها الليل الطويل ..)، ويقول النابغة الذبياني في معلقته: (كِليني لِهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصِبِ / وَلَيلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ = تَطاوَلَ حَتّى قُلتُ لَيسَ بِمُنقَضٍ / وَلَيسَ الَّذي يَرعى النُجومَ بِآيبِ).

وتوقّف لبيد بن ربيعة في معلقته عند النجوم، والرعود، والأمطار، حيث قال: (رُزِقَت مَرابيعَ النُجومِ وَصابَها / وَدقُ الرَواعِدِ جَودُها فَرِهامُها)، وفي موضع آخر يقول: (باتَت وَأَسبَلَ واكِفٌ مِن ديمَةٍ / يُروي الخَمائِلَ دائِماً تَسجامُها = يَعلو طَريقَةَ مَتنِها مُتَواتِرٌ / في لَيلَةٍ كَفَرَ النُجومَ غَمامُها)، ويقول عنترة في وصف الإصباح والإمساء: (تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ / وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ).

ويصف طرفة حركة السفن الفيزيائية في تشبيهاته، فيقول: (عَدَوليَّةٌ أَو مِن سَفينِ اِبنِ يامِنٍ / يَجورُ بِها المَلّاحُ طَوراً وَيَهتَدي = يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بِها / كَما قَسَمَ التُربَ المُفايِلُ بِاليَدِ)، ومن يروم التعمق في مثل هذه الظواهر سيجد وفرة تستحق التأمل.

١١:٤١ م-١٣ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٥٨ ص-٠٧ اكتوبر-٢٠٢٤
٠٤:٥٤ م-٠٥ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٤٠ ص-٣٠ سبتمبر-٢٠٢٤
٠٩:٤٩ م-١٥ سبتمبر-٢٠٢٤