المصدر : الدكتورة : إيمان حماد الحماد
التاريخ: ١١:٣٨ ص-٣٠ يوليو-٢٠٢٤       150

على سبيل المثال...
سأكتفي بالمرور على بعضها، وأطيل عند البعض الوقوف...
من وجهة نظري، دون تعسّفٍ، أو تلاعب بالحروف...
مثلاً:

"عز الشباب"، هو مصطلح  يكثر استخدامه، ويَصُبُّ عليها كل متحدث عن الشباب اهتمامه، ويُرجِع لها نشاط المرء عند قيامه، وكأنها السبب في حرصه على تنميق هندامه، والدافع له لتحقيق مراده ونيل مرامه، ويظهر فيها انقياده للمشاعر فهي مفتاح غرامه، ..
فهو في عز الشباب، ولا عجب بها إن كان متهورا في كلامه، أو متسرعا في أحكامه، أو مبالغا في أحلامه، أو غارقا في أوهامه، فالطيش يكسوه من رأسه لأسفل أقدامه، وإن أحاطه العقلاء وحرسوه من خلفه ومن أمامه.

فكيف نجمع بين الطيش والعز في نفس المرحلة، نراه جيشا في الرخاء ونرفعه، ودروبه وقت البلاء موحلة، حتى أن صوته لا نكاد نسمعه،ولا نقدر على إقناعه أو حتى النقاش معه، وليس من السهل اعترافه بخطئه حتى نربيه أو نقمعه، ولا يشعر بضياعه و شتاته ولن نقوى أن نجمعه، ولا يغيّر رأيه وإن كان ضده العالم أجمعه...
ونحن أيضا بنفس الوقت، نعلق عليه آمال أمّة، ونطمح به الوصول لأعلى قمّة، وألقينا على عاتقه مسؤولية جمّة، ونتطلع منه حملها بعزم وهمّة..
فهم في عز الشباب، وبعزّه سنفعل...
وشبابهم لهم عزّ، وبعزمه نحن أفضل..
لن أستهين بدورهم، وعنه لا، لن أسأل...
ولن أجادلكم به، فهم لنا الخيار الأمثل...

ولكن هل قولنا:"عزّ الشباب" ، يعني أن من غادر تلك المرحلة سيذّل..
وهل هو قَصْرٌ له عليهم كما المعنى يدل..
وهل هو أمر يمتلكه من لمرحلة الشباب يصل..
ويتركه لغيره إن هو عنها أفل، وكأن العز عهدة يسلمها قبل أن يرحل، فهو بدونها أفضل، وعنها الآن لا تسأل،  فهي لمن بعده تُنْقَل، فالعزّ مع من شاب يثقل ، وهي مع الشباب أجمل، 
فهل هذا الكلام يُعقل؟؟

وكما هو الحال مع العز الذي للشباب يُنسَب، نرى قوة الشباب، وطموح الشباب، وعزيمة الشباب، وأحلام الشباب، ووو..
وكأن العالم يقف عليهم، ويهتزّ بغيرهم...

ونسينا أن هناك أيضا "طيش الشباب"، و"أهواء الشباب"،و"رعونة الشباب"، و" تهور الشباب"، ووو. " إلا من رحم ربي..

أنا لست متحاملة عليهم، ولست بضدهم، ولن أنكر دورهم، أو أهمل عزمهم، ولكن القضية تكمن في ارتباط صفة بموصوف وقصرها عليه، وكأنها تدور وتطوف وتعود منه إليه، فهي ملك كَفَّيه وحِكرٌ على يديه...

ونحن وإن أنصفناهم بتلك الصفات، والتي لن أنكر وجودها فيهم وخصوصا من كان الله بالحكمة والعقل يصطفيهم، إلا أننا نظلم غيرهم ممن لا ينتمون لهم...
فهل من شاب يفتقر لهذا العزّ ، ولم يعد له وجود..
وهل من شاخ بعد العطاء يفقد العزيمة والقدرة على الصمود..
وهل بذكرنا لعز الشيوخ، وقدرتهم نكون قد تجاوزنا الحدود..
وهل نحن بالشباب وحدهم سنعود، وبهم نسود..
هل الكبار تنازلوا عن عزهم، كي تكتمل تلك البنود..
هل الكبار تقاعسوا عن دورهم، فلم يعودوا كالأسود...

وقس على ذلك: " حكمة الشيوخ"، و "خبرة الكبار"، ووو
وكأن الشباب ما عرفوها، كأنهم فقدوها، فإن اتصفوا بها وكأنهم سلبوها...

وهذا فيه من الظلم لهم ما يكفي..
فليس هذا حال جميعهم ، ولا النصفِ..
فإن كان فقدها بعضهم، ويا أسفي..
فهناك الكثير منهم يمتلكها بالقدر الذي يشفي...

فكم من شباب فيهم من الحكمة ما يفتقده الكبار، ومرّوا بالكثير من التجارب والتي أشبعتهم خبرة دون اختيار، وأظهروا من النضج ما يلفت الأنظار، وحولهم كل العيون أدار، قُدرة فيها افتخار، نظرة فيها انتصار، حكمة فيها اقتدار، كأنهم ولجيلهم طُلّاب ثار..

فلنتوقف عن التصنيف، لا نحذف ولا نضيف، ولا نقصر الصفات في أضيق التوظيف، فبحرها واسع نظيف، ربيعها يكسو من العمر الخريف، فلتخض في بحرها، وتنتصر في حربها، وتستفد من ربحها، أنت الحصيف. 

شباب و شيوخ، صغار و كبار ، فتية و رجال ..
كل هذه تصنيفات للأعمار، وتمييز للأجيال ..
مثل قولنا : آباء وأبناء وجدود...
فهي أجيال مترابطة ، وسلاسل ممتدة..
وصفاتها متوارثة ، بجيلها معتّدة...
فلا تثيروا فتنة، ما بينها، ليست حروب الردّة..

فهي مراحل عمرية، وكل مرحلة بصفاتها غنيّة، بكل ما فيها قوية، عيوبها أيضا جليّة، كل من فيها ضحيّة، عجينة من ضغطهم صارت طريّة...
فلتعش بالعمر طبعك، وليكون الأمر طوعك، لا تعاند فيه نفسك، لا يؤثر فيك نقدك..
ومن هنا أرد على الشاعر الذي قال:
ألا ليت الشباب يعود يوما
فأخبره بنا فعل المشيب.. 

فهو وإن عاد ، ماذا ستخبره؟ ، وما الذي فعله بك المشيب لتذكره؟ 
وهل إن عاد شبابك سيكفيك من عودته يوما؟؟..
أم أنك تريده دوما؟؟، أم هل يظل الأمر حلما؟؟...
هو سيعود إن أنت أعدته، وعشته بروحك في غير وقته، فالشباب شباب الروح، وليس ذاك الرقم حدّه...
والمشيب الذي ظلمته، انظر لحالك حين جئته، والمكان الذي وصلته، في شبابك كنت تزرع، والمشيب أداره لما حصدته..
فهل إن عاد شبابك ستقضيه بنفس الطريقة التي كنت عليها في زمانه، وستكون نفس الشخص الذي كان في عنفوانه...
لا والله..
فهذا المشيب الذي جربته، سيفرض نفسه، وبعودتك سيجمع يومه بأمسه، معلم أعطاك درسه، وزارع يختار غرسه، وطليق عاف حبسه، مُبْحر والقصد مرسى..
حكمنا عالنفس أقسى..
ذاك رأيي، قلته ما عاد همسا..
إن لم أُصِب بالقول: فانسَ..
بعض قولي كان حِسّا..
ليس كل الحسِّ ، أُسّا..
بعضنا في العين يسكن..
من عيونٍ...
بعضنا قد حلّ رمسا..
هذا أمر واقعٌ، حكمه...
ليس عمرا، ليس جنسا..
واردٌ في سُنَّتي، ما كان حدسا..

@bentalnoor2005

بنت النور

١١:٤١ م-١٣ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٥٨ ص-٠٧ اكتوبر-٢٠٢٤
٠٤:٥٤ م-٠٥ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٤٠ ص-٣٠ سبتمبر-٢٠٢٤
٠٩:٤٩ م-١٥ سبتمبر-٢٠٢٤