المصدر : المشرفة التربوية / دلال السالم     
التاريخ: ١٠:٥٣ ص-٠٩ اكتوبر-٢٠٢٣       298

كان َ الصّمتُ مساحةً شاسعةً من الظلام الذي لاتستطيعُ إضاءتهُ آلآف القناديل،  حين انتشر خبر ُ وفاة المعلمة عائشة العنزي ،معلمة الصّف الأول في مدينة عرعر ،في حجرة الدّراسة ، لا أعرفها ، ولكنّي أعرف ُ جيداً إخلاص معلمات الصّفوف الأولية ،حيث أني أشرف على معلمات هذه المرحلة ،، انتشر خبر المعلمة عائشة ،وطارت الركبانُ بحكاياتها،  وحكايات المعلمات تمثل ُ نسيجاً مختلفاً فكل حكاية ثمثلُ حجراً فريداً بلونٍ وملمسٍ مختلف ، عائشة المعلّمة المربية التي تفتح ُ قلبها لطالباتها كحضنِ الأم ،لاتعيرُ أي اهتمام للمنزلة أوالمكانة ،تتخلى عن كلّ هويةٍ زائفة داخل َ صفها ،وتبقى بهويةٍ واحدة ،هي هوية السّمو والإرتقاء لإضفاء الطمأنينة وتسكين القلوب من الخوف ِ والقلق ، لتجعل تلك النظرات مثل خيوط النّور فتسكن جوانحهم وحينها  تتيسر تلقي المعرفة .                   _   حين طُلِب مني كتابة هذا المقال ،كان من الصعب عليّ كتابته فمعانقة هذه الذكرى بالتحديد تجتاح ُ روحي اجتياح الليل حين يبتلع ضوء النهار ،وأشعرُ بمللٍ رهيب من كتاب الموتى ،فثمة ُ جروحٍ تبقى في دواخلنا لاتندمل، وتظلّ تطرقُ الذّاكرة والرّوح كلما حانت مناسبة ،،نعم هو الموت يأتي كعادته خاطفاً كمرور المناجلِ في حُزم السّنابل ليحصدها،  ولكن الأمر يبدو مختلفاً مع عائشة ،المعلمة الرائدة فقد غابت جسداً ولكنها لم تمت وبقيت حيةً حاضرةً في أذهان الأجيال ،خاصةُ وأن تراث الطفولة يحتفظُ به الجميع ،الكتب ،الدفاتر ،الحروف والكلمات ،وكثيرٌ من الذكريات ،فثمة  وجوهٍ تبقى ولاتُنسى وحتى لو طوى الموتُ أصحابها ،تظلّ حيةً محفورةً في أخاديد الرّوح وتلافيف الذاكرة ،إنها وجوه معلمات الصّفوف الأولية ،وميراثهم وذكراهم تبقى خالدة .                                                _ إنّ المرء َ الحصيف يدركُ مواطنَ النّجاح والإخفاق في سيرته ومسيرته ،وهكذا هي عائشة ،صنعت الذكر الطيب حين تذرعت بالصبر والدأب  ،وانطلقت سفينةُ روحها مصحوبةً بالإصرار والعزم ،تسيرُ في بحر الحياة حتى وصلت إلى الميناء الذي تريده إن شاء الله، وكأني بها تتمثل ُ قول الشاعر جلال الدين الرومي : العارف هو من رأى النهاية في البداية ، لن تنسَ طالباتك تلك الأيام الجميلة ولا تلك المعارف والمهارات ،ولا تسكين القلق والخوف أثناء الانهزامات وانكسارات الأجنحة، حيث الأطفال في تلك المرحلة لاحول لهم ولا قوة إلا بالله ثم بمعلمة تخاف الله وتخشاه بهم .                             
 رسالة أود أن تصل لذوي الفقيدة : إن عائشة لم تمت ،فالذكر الطيب للانسان عمر ٌ آخر ، والموت هو الضفة الأخرى للحياة ،هو جوهرة الحياة القادمة ،وثمرة العمر ،والكنز الدفين لكل مؤمن حصيف ،استعد له ،إنه الجوار من الله والأنس الذي لاتقربه ملالة، والوصل لايتعلق فقط بالأجساد وقربها ،فالروح خالدة ،والصبر يجعل للألم لذة وللحزن مسرة ، تحملوا مرارة الحزن وتباريح الفراق ،وقابلوها بالرضا والحمد لتظفروا بغنيمة تليقُ بكم وتساعدكم على قطع مراحل العمر ، أعلمُ أنّ جرحكم عميقاً  ويقطرُ دماً ولكن ّ ثمار َ الصبر يانعة وماتعة،  والموت لن يهدم مابنته فقيدتكم إن شاءالله،  وما هذه السنوات التي نعيشها جميعاً إلا لحظات مقارنةً بالحياة الأزلية الأبدية والله سبحانه وتعالى يقول : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وهذه الآية عزاء لكل محزون ،فاللهم ارحمها واغفر لها واجعل عملها شاهداً لها وارزقها الفردوس الأعلى  وارحم ولدي ( صقر ) وموتى المسلمين.                   
إضاءة : تحية ُ تقدير ٍ وإجلال  لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن سلطان الذي وجه بإطلاق اسم المعلمة عائشة العنزي على قاعة التدريب في إدارة التعليم النسائية بتعليم الحدود الشمالية .

 

١١:٤١ م-١٣ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٥٨ ص-٠٧ اكتوبر-٢٠٢٤
٠٤:٥٤ م-٠٥ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٤٠ ص-٣٠ سبتمبر-٢٠٢٤
٠٩:٤٩ م-١٥ سبتمبر-٢٠٢٤