الأستاذة وضحى خضر

٠٤:٠٠ ص-٣٠ ابريل-٢٠٢٣

المصدر : وضحى خضر
التاريخ: ٠٤:٠٠ ص-٣٠ ابريل-٢٠٢٣       470


إنّ المتأمّلَ فيما وصلَ إليهِ مضمونُ المُحتَوَىٰ الإعلاميُّ لأغلبِ مشاهيرِ وسائلِ التّواصلِ الاجتماعيّ، لَيدركُ وجودَ سلاحٍ جديدٍ ذو حدين، سلاحٌ ذو تأثيرٍ واسعِ النطاقِ ، ولهُ نتائجٌ مبهرةٌ وسريعةٌ، تختلفُ باختلافِ الأشخاصِ وتنوّعِ قناعاتِهِم وتفاوتِ مبادئِهِم ، فمنهُم من سخَّرَ هذا السلاحَ في خدمةِ نفسِهِ ومُجتَمَعِهِ ووطنِهِ، ومنهُم من اكتَفى بالانتفاعِ الشَّخصيّ بأيّ ثمنٍ و ركَّزَ على الهدفِ المادِّيِّ فقط، فانزلقَ عبرَ المُنحدَرِ الذي يُساوِمُهُ بثمنٍ بخسٍ على بيعِ قِيَمِهِ وأخلاقِهِ، فقد أصبحَ عُنصُرُ جذبِ المُشاهداتِ هوَ الهدفُ الرَّئيسيِّ للمحتوى الذي يقومُ بنشرِهِ، ويذلّل أمامه كل العوائق ضارِبًا بعُرضِ الحائِطِ كلّ الاعتبارات الدينية والاجتماعية، في سبيل تحقيق الهدفُ المادّي البحت، رافِعًا شعار الغايةُ تبرِّرُ الوسيلة ، وكي نستوضِحَ واقِعَ الحالِ جليًّا دعونا نفصّلُ فيما أوجزنا ونلقي بالضّوءِ عن قربٍ على بعضِ الزّوايا والمصطلحاتِ أعلاه ، فما هو هذا السّلاحُ المؤثّرُ ذو النّتائجِ واسعةِ النّطاقِ و بعيدةِ المدى؟ إنّ هذا السّلاحَ هو قوّة المحتوى المنشورِ الذي يستهدفُ ويجذبُ فئاتٍ معيّنةٍ من الجُمهورِ والذين بدورِهِم هُم من يساهمُ في نشرِهِ ومنحِهِ أهمِّيتَهُ، وبالتالي حَصْدُ أعلى عددٍ من المشاهداتِ على شبكةِ الإنترنت ، كيف يكونُ هذا السلاحُ الجديدُ ذو حدّين؟ هذا السلاحُ ذو حدّين لأن تصنيف المحتوى المنشور لا يتعدّى كونه واحدًا من اثنين  فهو إّما إيجابي أو سلبي ، الإيجابي: هادف يحقق منفعة مباحة للناس والسلبي: تافه يهبط بالذوق العام وأخلاقيات المجتمع ، فتجد من نذر نافذته التي يطل منها على المجتمع لخدمة المجتمع واستفاد من عددِ متابعيه في حل قضايا إنسانية وتقديم المساعدات وتسليط الضوء على ظواهر ومشكلات وجروح المجتمع ومنهم من سخر حسابه لتثقيف المتابعين بالقصص التاريخية او السياسية أو الأدب أو التراث وغيرها الكثير من العلوم والفنون وحتى الإعلانات التجارية
ونشر الأخبار أو المعلومات أو النصائح المفيدة هذا على سبيل المثال لا الحصر فأوجه الخير والإحسان والإصلاح شتى وأينما وجدت النوايا الحسنة شرعت لها الأبواب وتيسرت لها الطرق ، وهناك من انحدر يلهث خلف العائد المادي فقدم التنازل تلو التنازل دون أن يشعر وكلما هبطت مشاهدات محتواه بحث عن قنبلة يفجرها ليصعد نحو الترند، فنفاجأ بالمشهورة فلانة وهي تصور صور خادشة للحياء، وبأخرى تستجدي المشاهدات بطرح قصة حياتها ومشاكلها الأسرية أو الزوجية، وهذا يستنفع من براءة أطفاله وهذا من عفوية جدته أو أمه ويستخدمون كل وسائل استمالة عاطفة المتابعين و زيادة المشاهدات ، والحقيقة أن أغلبهم ليس لديهم محتوى محدد أو مادة إعلامية كبصمة تميزه، فمن يفتقر لموهبة أو هواية أو للفنون أو المهارات أو الخدمات التي تؤهله لاستقطاب المشاهدين، ومن لا بضاعة له يظل يكب على وجهه خبط عشواء، بحثًا عن جذب الأنظار فيضع آخر لقطة له خبرًا كاذبًا وعنوانًا بالبونط الأحمر العريض فيكتب عاجل أو يضع صورة خبر قوي أو فضيحة أو شائعة عن مشهور ما أو صورة تبدو للوهلة الأولى خليعة حتى تجبر المشاهد أن يفتح عشرات اللقطات ليصل للصورة الأخيرة، كل هذا في سبيل زيادة المشاهدات ، وهذا الأمر يطول فيه الحديث وهو مؤسف جدًا في مجتمعنا الخليجي المحافظ الذي تجاوز مشاهيره في الانحدار حسابات مشاهير الدول العربية والعالمية والتي عاشت الانفتاح قبل بلادنا بعقود بل بما يربو على قرنٍ من الزمن ، فهذا الفضاء المتاح المفتوح وهذه البرامج التي اجتاحت أسوار البيوت واقتحمت أسرار الخصوصية واخترقت الحواجز وكشفت الحجاب عن حقيقة و طبيعة وعادات ولغات إنسان المجتمعات المحافظة التي كان الغرب يحسد أفرادها على تماسكهم ولُحمتهم، فأصبح البحث عن المال والشهرة كنظرية الطفرة التي يجب أن تستغل في وقتها قبل أن تذهب رياحها فجنى منها الكثيرون أرباحًا خيالية وأرقامًا فلكية ثمنًا لاعلاناتهم التي كلما زاد عدد متابعيهم زاد سعرها وارتفع مستوى الجهات التي تتعاقد معها من المؤسسات والشركات الكبرى، وهو ربح سريع وبلا مشقة يذكرنا بأرباح المقامرة التي حرمتها وكرهتها الأديان السماوية لأنها ببساطة كسب سريع دون وجه حق وتورث الحسرة في النفوس سواء من يراقب هؤلاء المشاهير ولديه ما يمنعه من الانجراف والانحدار مثلهم أو الحسرة لدى المشهور نفسه حين يستيقظ بعد طول غفلة ويجد نفسه قد فقد أثمن ما يملك راحته الشخصية وخصوصيته والأهم من هذا كله احترامه لنفسه.

أخيرًا وليس آخرًا، فإن هذه التقنية الحديثة لها وجهان فهي إما نعمة أو نقمة، والإرادة البشرية فقط هي من تحدد ذلك.

١١:٤١ م-١٣ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٥٨ ص-٠٧ اكتوبر-٢٠٢٤
٠٤:٥٤ م-٠٥ اكتوبر-٢٠٢٤
١١:٤٠ ص-٣٠ سبتمبر-٢٠٢٤
٠٩:٤٩ م-١٥ سبتمبر-٢٠٢٤